...
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تأكيد التسجيل من خلال اللإيميل تأكيد الحساب
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تسجيل حسابك معنا إنشاء حساب
عيدٌ بطعم الصبر

عيدٌ بطعم الصبر

المرأة اليمنية تخيط فرحة العيد بخيوط الألم

✍️: هالة محمد الجرادي

 

في الوقت الذي تُعد فيه الأعياد مناسبة للفرح والاحتفال، تأتي على اليمنيين، خاصة النساء، وهي محمّلة بمزيد من الهموم، في ظل تدهور الوضع المعيشي وتفاقم الأزمات الاقتصادية. العيد في اليمن اليوم لم يعد كما كان، إذ تتوارى مظاهر البهجة خلف جدران العجز، ويغدو الاحتفال رفاهية لا يقدر عليها كثير من المواطنين.

فالغلاء يختطف بهجة العيد، وتدهور العملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية جعلا من العيد عبئا اقتصاديا ثقيلا. فالأسر اليمنية، التي تعاني في الأصل من انقطاع الرواتب وغياب الخدمات، تجد نفسها أمام تحدٍ إضافي يتمثل في تأمين مستلزمات العيد من كسوة للأطفال، وحلويات، ومصاريف الزيارات.

تقول إحدى العاملات في معمل للخياطة: "صار العيد يأتي ولا نشعر به... لم يعد لدينا ما نقدمه لأطفالنا. أنا أعيل أطفالي بمفردي وأتحمل مسؤولية مضاعفة، خاصة أيام العيد".

وتنعكس هذه الحالة على المرأة اليمنية، التي تتحمل العبء الأكبر في تأمين الحد الأدنى من مظاهر الفرح وسط انعدام الموارد.

ووسط هذا الانهيار الاقتصادي، تبرز المرأة اليمنية كصمّام أمان للأسرة. تلعب دورا محوريا في إدارة الأزمات اليومية، وتحاول خلق أجواء من الفرح رغم كل المعوقات. تلجأ كثير من النساء إلى الحيل المنزلية البسيطة لصناعة الحلويات بدلا من شرائها، وإعادة تدوير الملابس، والاعتماد على مشغولات يدوية لإسعاد أطفالهن.

في بعض الحالات، تعمل النساء في مهن صغيرة مثل بيع الخبز، أو الخياطة، أو الطبخ المنزلي لتوفير بعض المال قبل العيد. وبرغم التعب والإرهاق، يظل همّها الأول هو إسعاد أبنائها، حتى لو كان الثمن صحتها وراحتها.

الطفولة المكسورة... وألم الأمهات الصامت

من أقسى مظاهر العيد في اليمن أن يتحول يوم الفرح إلى مناسبة للبكاء الصامت في قلوب الأمهات، حين يعجزن عن تلبية رغبات أطفالهن. فآلاف الأطفال يستقبلون العيد بلا ملابس جديدة، ولا ألعاب، في مشهد يكرّس الفجوة بين العيد كرمز للفرح وواقعهم المُرّ.

أم عبد الله، نازحة في أحد المخيمات، تقول: "زوجي مريض بالكلى ويحتاج للغسيل، وهذا يكلفنا مبالغ طائلة ويجعلني عاجزة عن تلبية احتياجاتنا اليومية، ما بالك بالعيد. أطفالي يسألونني: متى سنشتري ملابس العيد؟ لا أملك إلا الدموع والاحتضان. هذا كل ما لدي".

غياب الدولة وضعف المبادرات

في ظل تراجع الدور الحكومي وغياب برامج الدعم المنهجي، تتكئ الأسر على مبادرات مجتمعية صغيرة، غالبا تقودها منظمات محلية أو متطوعون، لتوزيع كسوة العيد أو سلال غذائية محدودة. لكن هذه المبادرات تبقى غير كافية أمام اتساع رقعة الفقر والنزوح.

وبرغم سوداوية المشهد، إلا أن بعض الخطوات الواقعية قد تسهم في تخفيف المعاناة، منها:

1. إطلاق حملات مجتمعية موسّعة قبل العيد لكسوة الأطفال، بإشراف منظمات محلية ذات مصداقية.

2. تفعيل برامج دعم نقدي مباشر للأسر الأشد فقرا، من خلال منظمات دولية تعمل مع شبكات نسائية.

3. تمكين النساء اقتصاديا عبر مشاريع صغيرة مستدامة، مثل التمويل الأصغر والتدريب على الحِرَف.

4. رفع الوعي الإعلامي حول أهمية دعم المرأة كقائدة في الأزمات، وتسليط الضوء على قصص نجاح نسوية من قلب المعاناة.

 

العيد في اليمن بات مرآة مؤلمة لوضع اقتصادي واجتماعي يزداد سوءا، لكن في قلب هذا المشهد تظل المرأة اليمنية تمثل بصيص الأمل. بصبرها، وحكمتها، وقدرتها على تحويل الوجع إلى طاقة حياة، تبقى هي الركيزة الأولى لبقاء الأسرة اليمنية متماسكة، في انتظار عيدٍ حقيقي يأتي ذات يوم، خالٍ من الجوع والخوف.