...
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تأكيد التسجيل من خلال اللإيميل تأكيد الحساب
لتسجيل إعجابك!!! يرجى تسجيل حسابك معنا إنشاء حساب
الدور المنسي والجهد الذي لا يُقدَّر

خيوط غير مرئية في نسيج الحياة: الدور المنسي والجهد الذي لا يُقدَّر

✍️: هالة محمد الجرادي

رغم التقدم الملموس الذي أحرزته المرأة في شتى المجالات، من تعليم وعمل ومشاركة سياسية، لا يزال جانب كبير من مساهماتها اليومية يمر دون تقدير أو اعتراف رسمي. ذلك الجهد الصامت والمستمر الذي تبذله داخل الأسرة وخارجها، دون أن يُحتسب أو يُكافأ، هو ما يمكن وصفه بـ"الدور المنسي" أو "الجهد غير المُقدَّر" الذي لا يزال مغيبًا عن وعي المجتمع والمؤسسات.

يشمل هذا الدور غير المُقدَّر المهام اليومية التي تقوم بها المرأة داخل المنزل، من رعاية الأبناء وتنظيم شؤون الأسرة إلى تقديم الدعم العاطفي والنفسي. ورغم أن هذه المسؤوليات تتطلب جهدًا بدنيًا وعقليًا وعاطفيًا كبيرًا، إلا أنها لا تُدرج ضمن الإحصاءات الاقتصادية، ولا تُقابل بأي اعتراف أو مكافأة مادية أو معنوية، بل تُعتبر في كثير من الأحيان "واجبًا طبيعيًا" مفروضًا عليها..

تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن النساء حول العالم يقضين أكثر من ثلاثة أضعاف الوقت في الأعمال غير المدفوعة مقارنة بالرجال. وفي بعض المجتمعات، تصل ساعات العمل المنزلي والرعوي للمرأة إلى 12 ساعة يوميًا، بشكل متقطع، ما يخلق فجوة حقيقية في فرص التعليم والعمل وتحقيق الذات.

إن تجاهل هذا الدور له تبعات اقتصادية واجتماعية ونفسية كبيرة. فمن جهة، لا يُحسب هذا الجهد ضمن دخل الأسرة أو في حسابات التقاعد، مما يُضعف من الوضع الاقتصادي للمرأة. ومن جهة أخرى، يؤثر الإهمال المجتمعي على حالتها النفسية، إذ يؤدي تراكم الأعباء دون تقدير إلى الإرهاق، والشعور بالتهميش أو التقليل من القيمة الذاتية.

تقول هناء، وهي زوجة وأم لأربعة أطفال:

“الأعمال المنزلية ترهقني وتنعكس بشكل سلبي على أدائي في العمل خارج المنزل. أشعر أحيانًا بأنني أمسك بحبلين في اتجاهين متعاكسين، ولا أستطيع التوفيق بين مسؤولياتي الأسرية والمهنية. هذا الضغط المتواصل يستهلك طاقتي نفسيًا وجسديًا.”

الاعتراف بالدور المنسي للمرأة هو خطوة أولى نحو العدالة الاجتماعية. لا بد من إعادة النظر في تقسيم الأدوار الأسرية، وتشجيع الرجال على المشاركة الفاعلة في الأعمال المنزلية. كما أن التربية الواعية والتعليم المبكر يسهمان في كسر القوالب النمطية، وبناء شراكات متوازنة داخل الأسرة. ويمكن كذلك إشراك الأبناء من الجنسين في المهام المنزلية بما يتناسب مع أعمارهم، والاستعانة بمساعدة منزلية إذا توفرت الإمكانات، تخفيفًا للأعباء.

يحذّر خبراء علم النفس من التقليل من شأن هذا الجهد، ويؤكدون أن إهماله له آثار عميقة على الصحة النفسية للمرأة. فالشعور بالإجهاد المزمن دون تقدير، يرفع من معدلات التوتر، وقد يقود إلى الاكتئاب والعزلة، بل وقد تظهر آثاره في شكل أعراض جسدية تؤثر على الصحة العامة .

المرأة لا تساهم فقط في بناء الاقتصاد من خلال الوظائف والأعمال المدفوعة، بل تقوم أيضًا بدور أساسي - وإن كان غير معترف به رسميًا - في الحفاظ على تماسك الأسرة واستقرار المجتمع.

آن الأوان للخروج من دائرة الصمت، وأن نحمل الضوء إلى ما بقي طويلًا في الظل. فالدور المنسي يجب أن يُرى، ويُحتَرم، ويُثمَّن، ضمن مفاهيم العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.