
الميراث والمرأة قضية تزخر بالمعاناة!
تقرير : سارة صبر
في مجتمع تتداخل فيه الأعراف والتقاليد مع الجهل بالقانون والدين، تجد كثير من النساء أنفسهن محرومات من أبسط حقوقهن، وعلى رأسها حقهن في الميراث. قضية قد تبدو في ظاهرها مالية، لكنها في حقيقتها معاناة يومية تمتد آثارها إلى الكرامة والعدالة والعيش الكريم.
هدى (اسم مستعار) تقطن في إحدى المناطق الريفية بصنعاء، حيث ترتفع فيها نسبة الأمية والجهل والفقر وغياب للقوانين في ظل الأوضاع الراهنة للبلاد
تشرح هدى وضعها قائلة:" أمر بظروف صعبة، لاسيما وأن زوجي لا يمتلك عملاً ثابتاً، وإنما يعمل في إصلاح المصابيح اليدوية أحياناً، وبمبلغ زهيد. ولدي سبعة أطفال، أحدهم قاعد لا يقدر على المشي"
تطالب هدى بنصيبها من الإرث المتبقي من والدها الذي توفي منذ إحدى عشر عاماً، وهو عبارة عن بعض الأراضي الزراعية. لكن إخوتها رفضوا ذلك، ليس إنكاراً منهم لحقها، ولكنهم يرون أن المرأة لا تحتاج إليه إذا كانت تعيش معهم. أما إذا تزوجت، فإنهم يرون أنفسهم أحق به من أن يأخذه غيرهم.
تستطرد هدى بصوت حزين مؤلم وعينان تكادا أن تذرفا الدموع "اواصل العيش وأنا أحمل كل يوم هم توفير الطعام لأطفالي ،فأنا لا أحصل من إخوتي حتّى على مبلغ بسيط من ارباحهم (الأموال التي يكتسبونها من عملهم في الزراعة)و التي يعتبر لي نصيب فيها ،ولا أعلم متى سيرون ان لي حق ويعطونني إياه هل حتّى اموت ؟"
أسباب انتشار ظاهرة حرمان المرأة من الميراث
تتعرض النساء للحرمان بسبب قضية الإرث، ليس من المال أو التركة فقط، بل قد يصل الأمر إلى عضل الفتاة عن الزواج خوفًا من ذهاب الميراث خارج العائلة. هذه الظواهر والمشكلات لم تنشأ من العدم، بل هناك أسباب أدت إلى تفاقم الوضع، ومنها:
1- يُعد ضعف الوعي بالتعاليم الدينية أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى حرمان المرأة من حقها في الميراث، حيث يتم تجاهل النصوص الشرعية الصريحة التي تؤكد وجوب توزيع التركة بعدالة بين الورثة دون تمييز.
وفي هذا السياق، توضح المحامية مروة محمد أن السبب يعود في كثير من الحالات إلى قصور في فهم أحكام الشريعة ومبادئ الحلال والحرام، ما يفتح الباب أمام التعدي على حقوق النساء باسم العُرف أو الجهل بالدين.
2- الموروث المجتمعي السلبي الذي يؤثر بشكل كبير على فكر المجتمع وردة فعله تجاه أي قضية من القضايا، فقد أصبحت العادات أكبر وأقوى من القانون، حيث يرى المجتمع أن التقاليد خطوط حمراء لا يجب تجاوزها.
٣- غياب العدل في المجتمع ، مما يتيح للناس الاستمرار والتمادي في خرق القوانين وسلب الحقوق.
القانون.. بين إعطاء الحقوق وفرض العقاب.
إن الدستور اليمني نظم القوانين وسن التشريعات التي توثق حقوق المرأة ، ومن بينها الميراث. فالمادة ٢٩٩ من قانون الأحوال الشخصية توضح أن انتقال الأموال والحقوق الخاصة بالميت يكون إلى من يرثه. ويعرف الوارث بأنه من يستحق التركة أو نصيباً منها بسبب القرابة أو الزوجية أو الولاء دون تخصيص.
ولذلك، فإن وجود العقوبات التي تلزم بتنفيذ التشريعات مهم وضروري، لأنها تساعد في ردع الظلم والتقليل من معاناة النساء المحرومات من حقوقهن.
**حلول للتقليل من معاناة النساء**
تواجه المرأة انتقادات واتهامات مجتمعية عند مطالبتها بحقها في تركة والدها، إذ يُنظر إلى ذلك على أنه 'عيب' وخروج عن المألوف، خاصة إذا خالفت رغبة إخوتها أو أقاربها. ونتيجةً لهذه النظرة ، تتعرض كثير من النساء لضغوط نفسية تدفعهن إلى التنازل بصمت وإغلاق ملف الميراث دون المطالبة بحقوقهن.
ولطالما واجهت عددٌ من النساء هذه الظروف وعشن مثل هذه القصص أو أصعب منها، حيث تنتشر ظاهرة حرمان الفتيات من الميراث في الريف بصورة أكبر، والذي يشكل سكانها 70% من إجمالي سكان اليمن.
ولذلك للتخفيف من معاناة النساء أو الحد من انتشار ظاهرة حرمان المرأة من الميراث توجد بعض الحلول والطرق لمعالجتها ومنها :
١- تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الالتزام بتنفيذ الحقوق الشرعية، مع التأكيد على القيم الدينية والأخلاقية التي تُجرّم التعدي على حقوق الآخرين، والتنبيه إلى الآثار النفسية والمجتمعية المترتبة على حرمان الأفراد من حقوقهم .
٢- تقديم الدعم والمساندة للنساء اللاتي حُرمن من حقوقهن، والعمل على كسر حاجز الصمت تجاه هذه الانتهاكات، ولو بأبسط الوسائل المتاحة.
٣- فرض الجزاء والعقاب المناسبين على من يخالف القوانين، حتى لا يتجرأ الناس على أخذ ميراث المرأة ونهبه، فيصبح شيئًا مستباحًا للجميع كما تحدثت مروة.
٤- الدعوة إلى تسريع إجراءات البت في قضايا ميراث النساء داخل المحاكم، والحد من التأخير والمماطلة، لما لذلك من أثر بالغ في تخفيف الأعباء المادية والنفسية عن النساء وتمكينهن من الوصول إلى حقوقهن بعدالة
ويبقى السؤال : متى تحصل المرأة على حقها كما كُفل لها شرعا وقانونا ؟؟!!